الكاتب: علي سعيد البطاطي
المكان: مدينة المكلا - اليمن
الوقت: 2019م
الشخصيات:
الأب عادل أبو مروة
ام مروة
عمة مروة منيرة
عم مروة صالح
الطبيب النفسي
كَرَنتِينَا منذ 2015
تجلس مروة على عتبة نافذة غرفة المعيشة المليئة المضاءة عليها ساعة تشير للثامنة إلا 5 دقائق بالشموع بالكتب المبعثرة ممسكة بكرة مطاطية في يدها ومتأملة للخارج وتستمع على هاتفها بصوت عالٍ أغنية فيروز (طيري ياطيارة):
طيري ياطيارة طيري ياورق وخيطان
بدي ارجع بنت صغيرة ع سطح الجيران
وينساني الزمان على سطح الجيران….
تدخل الأم: طفٌي هذي الأغاني تجيب لنا الشياطين. مش مكفينا اللي فينا؟
مروة: أوف (تغلق الموسيقى)
الأم: ومالك كذا عاجنة الغرفة عجين. رفّعي هذه الكتب. نظفي المكان شوي! ايش ذا؟
مروة: متى بتجي الكهرباء يا يمه؟ تعبت!
الأم: نوقف حياتنا على الكهرباء يعني. مامنها أمل قومي اعملي حاجة بدل الفهاوة اللي عايشتها ذي.
الأم تقوم بترتيب صالة المعيشة ثم تردف: قومي كلي غذائك قده وقت ليل الآن بتموتي على ذي الحال
مروة: الأكل بارد مالي نفس فيه.
الأم: وايش نعمل لك؟ كيف نسخنه ومافيه غاز؟ هذا الموجود لين تنتهي الأزمة.
مروة: يايمه طيب نروح عند عمة منيرة. ملييت من الجلسة هذي
الأم: يامروة قلت لك أكثر من مرة مايصير أنا أرملة وتعرفي كيف بعض الحريم المعقدات زي عمتك يخافوا أزورهم! قال ايش منيرة تخاف آخذ عليها زوجها وجه القرد! وبعدين أنت بنت وعمك صالح لو يعرف إنك تنزلي بيقلب علينا البيت قلب!
مروة: ونسكت لهم يعني؟ - بعد ما قاسمونا ورث أبوي ماعاد شفنا منهم خير.
الأم: عيب يامروة هذا عمك ولي أمرك وأدرى بمصلحتك. بتحتاجيهم في يوم من الأيام.
مروة: الله لايجيب هذه الأيام.
الأم: طيب قومي تغسلي اذا عادك مصرّة إن الدكتور بيجي. ايش الحالة اللي أنت فيها؟
مروة: مالي نفس أتكلم مالي نفس أتغسل مالي نفس أشوف أحد يايمه خلاااص. متى ماجاء بلبس وبقابله.
الأم: اتفقنا يامروة تشوفيه خلاص وقلت لك ماعندي مانع. بتضيعي حياتك على كذا والله أني أخاف لما أشوفك في حالتك ذي وما عرفت ايش اسوي لك.
الأم بعد برهة: قلت لك ما بغيت أحد يعرف بهذا الموضوع، مابقول لحد حتى خالاتك وأنت لا تكلمي أحد طوول. بنسوي جلساتش مع الدكتور من دون ما أحد يعرف. الناس لو عرفوا بيقولوا ذي مجنونة . شوفوا مروة إلا مغرومة. ولا أحد بيجي يخطبك ولا بيتزوجك.
مروة: طز فيهم!
(صوت طرق الباب)
الأم: أكيد هذا الدكتور؛ هيا قومي قومي البسي أكيد الدكتور محمد جاء.
(تذهب مروة وتهرع الأم لتسحب عباية وحجاب ونقاب سوود وتلبسهم بسرعة وتفتح الباب)
الدكتور: السلام عليكم يا أم مروة. كيفك؟
الأم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يادكتور.الحمدلله بخير. كيفك أنت؟
الدكتور: يَسُرِك الحال.
الأم: تفضل اجلس.
الدكتور جالسًا: كَرّمكِ الله
الأم: اعذرني يادكتور الكهرباء طافية ومافيه غير الشموع
الدكتور مقاطعًا: لا لا عادي. الحال من بعضه.
الأم: واعذرني مافيه ماء بارد عشان نجيب لك عصير ولا فيه حاجة نطبخها تعرف أزمة البلاد كيف هي ذي الفترة.
الدكتور: الله يعين يا أم مروة الله يعين.
الأم: عذّبناك جبناك لين هنا بس والله مروة مارضيت تروح للعيادة وبالغصب تبغاك تجي لهنا..لاتنام نوم مثل الناس ولاتأكل تمام. الوقت كله على مشغلة الأغاني وتقرأ وتكتب في الأوراق والكتب هذي ( تشير للمكان الذي وضعت فيه الكتب المبعثرة لمروة)
الدكتور: مالها كذا طيب شيء حصل لها؟
الأم: انقلب حالها بعد مقتل أبوها. زوجي كرامة مدري ايش حصل له ربنا يرحمه. تعرف هذيك الفترة لما القاعدة جاءوا يجنّدوا ويأخذوهم للجبهة يقاتلوا الحوثيين في عدن. راح معاهم وأني أقوله ياأبو مروة استهدى بالله بتضيّع نفسك وبتضيّع نحن بس عمل اللي في رآسه وراح. وياقلبي بعد كم يوم…….(تتنهد).... انكبدت يقولوا قتلوه الله يلعنهم قتلوه.
الدكتور: عظّم الله أجركم وأحسن عزاكم. ربنا يغفر له ويرحمه.
(تدخل مروة بالعباءة والنقاب)
تمسح الأم دمعتها: طيب أني بخليكم لوحدكم تكلموا ويامروة فضفضي قولي له بكل حاجة لاتتركي في قلبك شيء
مروة: طيب
الدكتور: أهلين مروة! اجلسي. كيفك؟
مروة: الحمدلله تمام.
الدكتور: ايش عاملة هذي الأيام؟
مروة لاترد
الدكتور بعد برهة: كيف الدراسة؟
مروة: ما سجلت جامعة هذي السنة
الدكتور: ليه؟
الدكتور بعد برهة: كلمتنا أمكِ عن أبوكِ الله يرحمه. حابة تتكلمي عن الموضوع؟
مروة ممتغطة: مش عارفة كيف؟ أبوي ماكان كذا أبوي ماكان داعشي ولامتطرف...ليه راح فجأة (تجهش بالبكاء) كان يفهمني. أحيانًا ما أدري كيف يفهم تقلبات مزاجي. من دون ما أُظهِر أي فعل ولا سلوك ولاحاجة كذا هو يحس ويفهمني. كان معي بكل الأوقات. لما انقبلت أروح تبادل وأدرس الثانوية بأمريكا هو شجعني وتجاهل كلام أعمامي عن الموضوع وكيف بسافر بلا محرم وقال لي روحي….(تجهش بالبكاء).
الدكتور: طيب.تذكري أمريكا. خلق لك مرحلة حلوة بحياتك.
مروة: مارحت. هذيك السنة كانت نحس. تقفلت المطارات وماقدرت أسافر وبعدها بكم شهر أبوي مات.
الدكتور: لحظة لحظة يامروة نزلي البرقع[1]. الكهرباء طافية والدنيا حر ولازم تتنفسي.
مروة: امممم
الدكتور: أنا بعمر أبوكِ لاتستحي مني.
(مروة تخلع البرقع)
الدكتور: شايفة كذا أريح؟ خلي وجهك الجميل والشاب ذا يظهر.
الدكتور بعد برهة: طيب عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم. قوّي إيمانك بالله يامروة. لعله يكون كل الشر لك في رحلتكِ لأمريكا. تفاءلي بالمستقبل….
مروة: أي مستقبل؟!
الدكتور: أنتِ لسه في شبابك صغيرة الطريق أمامكِ.
مروة: ماتفهم؟! المطارات للآن مقفلة وأنا للآن محشورة بذي الأربع الحيطان. وأساسًا أفرض حركة المطارات رجعت...عمي اللي مابغاني أخرج برع البيت تتوقع أنه بيسمح لي أسافر للخارج بدون محرم؟؟!
الدكتور: ممكن يغير رأيه، ممكن تقنعيه، مش عارفة أيش ممكن يحصل بالمستقبل….
الدكتور بعد برهة: طيب تكلمي عن أبوكِ خلينا من موضوع السفر.
مروة بصوت باكٍ: افتقده افتقده كثير….أتخيله قدامي يتابع الأخبار على التلفزيون، أتذكر دعواته لي المتكررة من وقت للثاني، أتخيله يرجع يبوسني على خذي ورأسي زي ماكان يعمل زمان. تمنيت لو أطيل الحديث معه وأتكلم أكثر بدل كلماتي المحدودة اللي أنطق بها نادرًا. أربع سنوات ومش قادرة أتجاوز حقيقة وفاته. مش قادرة أنسى صورة جثته الملطخة بالدم! مش قادرة أصدق أو استوعب أنه خلاص مات! مات! يعني مش موجود. يعني مابيرجع ومابقدر أكلمه مرة ثانية ولاأقدر أشوفه حتى! تصدق طيلة السنوات الفائتة ماقدرت أكلم أحد وأقول له أني يتيمة أو أنه أبوي مات... كل سؤال حرج ممكن يكشف الأمر أحاول أتجاهله وأتحدث كأن أبوي حي ومعاي. ماقدرت أكلم لازميلة ولاصديقة ولاأستاذة ولاأحد. كأنه سر أو شيء غلط. أحس وقع الكلمة ثقيل وصعب يخرج من لساني! مش عارفة هو أنا مش متخيلة ردة فعلهم أو خايفة إنهم ينظروا لي بشفقة ...كأن في الشيء ذا وصمة عار أو خجل….مش قادرة….
الدكتور: لازم تفهمي ياصاحبة الخدود الحلوة ذي إن موضوع الموت أمر طبيعي وعادي. الأشخاص حولك مابيأخذوا الأمر بجدية مثل ما أنتِ آخذتيه..أنتِ والناس فاهمين أنه كثير راحوا يقاتلوا مع القاعدة مش لأنهم أيدوا فكرها بس ببساطة لأنهم تأثروا بالبروباغندا الدينية والسياسية ضد الحوثيين. الناس يتفهّموا أنه غرض قتالهم ضد الحوثي أكثر من أنه مع القاعدة وكثير ناس بيتقبلوا دوافع أبوكِ. حاولي تتكلمي أكثر عن الموضوع مع الناس حولك، هذا بيخلي وقعه على نفسك أسهل بكثير والناس بيفهموك أكثر.
الدكتور بعد برهة: طيب غيري جو الحزن ذا تذكري أي حاجة سعيدة؟
مروة: الأربع السنين الأخيرة كلها سنين عجاف!
الدكتور: ارجعي لزمان طيب. كيف كانت طفولتك؟
مروة: الله حلووة. أتذكر صوت الطائرات اللي تمر ع السماء. الطائرات المدنية مش الحربية مثل الآن. أتذكر نزهاتنا مع أبوي وخرجاتنا. لي زماان ما أشوف كيف هو الشارع وكيف هي الحدائق و المطاعم… آه. أتذكر برضه كيف كنا نلعب برع ومانخاف. الآن لو أخرج شوي أخاف أحد يلاحقني أو يتحرش بي أو يختطفني أو يقتلني… أتذكر أني كنت أبتسم. أمي تبتسم. أبوي كان يبتسم. الآن مافيه أحد يبتسم. 24 ساعة في اليوم وعيني على فم أمي أحاول اقتنص أقرب ابتسامة له بس مافيش. أربع سنوات وماشفت ابتسامة على وجه أمي…
الدكتور: أنا شايف وجهك الآن يبتسم وابتسامتك حلوة والله. تذكري ذكريات مثل كذا دايمًا خلي الناس تنجن بابتسامتك الحلوة ذي.
الدكتور بعد برهة: طيب تواصلي مع صديقاتك ذي الفترة لا تنعزلي.
مروة: ماعندي صديقات الآن.أعتقد أنهم يشوفوني أنا كصبية أو عبدة[2] وبنت أرملة. من يبغى يصاحبني ويكلمني؟
الدكتور: حاولي وهتلاقي، ملامحك حلوة ما أحد هيتعنصر عليك.
مروة: يادكتور ذي مش مسألة لون أو جمال...ذي قضية نسب. أول ما أحد يسمع اسمي ولقبي يشعر بالتقزز. الموضوع مو سهل بالنسبة لي. حياتي مش زي حياتك يا دكتور وحياة بقية الطبقات المحترمة في المجتمع. الناس ينظروا لي بقرف واشمئزاز… أو ممكن هم يعاملونني تمام بس أني احس كذا.. البنات اللي المفترض يكونوا صاحباتي في أبسط خلاف يصرخوا علي وينادوني يالسودة...
الدكتور مقاطعًا: خليك من ذا. جربي ترتبطي بشاب….
مروة: اممممم
الدكتور: غريبة! يقولوا أنكم نساء العبيد شهوانيات. المفترض تكوني خضتي حاجة زي كذا من قبل….
مروة: ما أحس براحة في موضوع زي كذا….
الدكتور يمد يده وبابتسامة خبيثة يمسك يد مروة: ليش يامروة؟ أنت حلوة جرب....
مروة تسحب يدها بسرعة وبصوت عالٍ: يمه خلاص خلصنا تقدري تجي…
يبتعد الدكتور بسرعة ويعود لمكانه.
الدكتور يكتب على الروشته: استمري على هذه الأدوية هنلتقي بعد شهر.
الأم تدخل: كيفكم كيف كان الكلام؟
الدكتور: حالتها بتتحسن ان شاء الله. تواصلوا معي بعد شهر كذا وننسق جلسة ثانية.
الأم: ربي يخليك ويحفظك يادكتور ماتقصّر معانا. كيف الجلسة يامروة؟ ارتحتي
مروة: نعم. الحمدلله.
الأم: بوصَل الدكتور للباب وبرجع لش.
(تنزع مروة الحجاب والعباية وترميها على الأرض، تستلقي على الصوفة الموجودة بغرفة المعيشة وتشغل هاتفها على ذات الغنية السابقة)
فيروز: المقطع الأخير من الأغنية:
لو فينا نهرب ونطير… مع هالورق الطاير
تَ نكبر بعد بكّير… شو صاير شو صاير
ويازهر الرمّان .. ميل بهالبستان (تدخل أمها في هذه الأثناء تضع عباءتها وحجابها ونقابها بعيدًا وتأخذ برأس مروة لتضعه على فخذها وتقبل رأسها)
تَ يتسلّوا صغار الأرض ويحلَوّ الزمان
وينساني الزمان على سطح الجيران!
Comments